القائمة الرئيسية

الصفحات

مقالة جدلية حول الشغل بكالوريا 2025 هل الشغل ضرورة بيولوجية فحسب ?


هل الشغل من حيث هو نشاط فردي يقتصر على إشباع الحاجيات البيولوجية أم يتجاوز ذلك ؟

 طرح المشكلة : 

إن الانسان كائن اجتماعي بطبعه لا يمكن ان يحافظ على وجوده خارج أطر المجتمع الذي يعيش فيه و لا يستطيع ان يحقق التلائم معه الا باستخدام طرق مختلفة فالغربة في الحياة تعتبر المحرك الأساسي عند الانسان فهي تدفعه إلى الحركة داخل الوسط الطبيعي بحثا عن عناصر البقاء و من أجل تحقيق ذلك فهو يعتمد أساسا على الشغل الذي يعرف على أنه كل جهد عضلي و فكري يقوم به الانسان و ما خلف جدال بين أوساط المفكرين و الفلاسفة هو حول الغاية الأساسية للعمل أو الشغل بحيث هناك من يرى أن غايته الأولى هي تحقيق أبعاد مادية و الطرف الآخر يرى أنه يحقق أبعاد معنوية ضمن هذا الجدال الفلسفي نتساءل نحن بدورنا هل الشغل ضرورة بيولوجية فحسب ؟

الموقف الأول : 

يرى هذا الاتجاه الذي يمثله التيار المادي أن الشغل يهدف الى تحقيق أبعاد مادية حيث أنه السبيل الوحيد لكسب الرزق و تحصيل الثروة و توفير المتطلبات الضرورية لحفظ البقاء و تحقيق الاستمرارية في الحياة ، و قد وجدت هذه النظرة المادية للعمل على الخصوص لدى المجتمع اليوناني و فلاسفته أمثال ( أفلاطون و أرسطو ) و من الفلاسفة المعاصرين نجد الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو و قد برروا موقفهم بالحجج الآتية :

الانسان كائن بيولوجي لذلك فهو مضطر للعمل من أجل إشباع حاجاته و من أجل البقاء لأن الطبيعة لم تقدم له كل ما يشبع حاجاته المتنوعة من أكل و شرب و لباس و مأوى ( فالحاجة البيولوجية هي الدافع الأساسي للشغل ) فلو وجد الانسان كل شيء جاهزا في الطبيعة لما أقدم على العمل و على بذل الجهد لتغيير الطبيعة أو التأثير فيها و الواقع يثبت أنّ طبقات ترفعت عنه و أكرهت الآخرين عليه خاصة المجتمع اليوناني فقد اعتبر أرسطو أن العمل خاص بالعبيد أو كما يسميهم الآلات الحية و وظيفتهم توفير الحياة الراقية للفلاسفة أو العقول المتأملة و التي وظيفتها إنتاج الفكر النظري، وهو نفس رأي أستاذه أفلاطون نظرا لما في الشغل من إلزام و عناء و قساوة، ولذلك قال الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو : " لم تعمل الإنسانية الا تحت تهديد فكرة الموت " إن العمل جهد نافع فهو إنتاج أولا و قبل كل شيء و بالإنتاج تلبى مختلف الحاجات و المطالب الضرورية للأفراد و المجتمعات ؛ فالعمل إفادة و استفادة و هو السبيل الى تحصيل المال و استثماره و تنمية الثروة و أيضا  السيطرة على الطبيعة بالعمل أمكننا تشييد البنايات و الطرقات و المصانع و مختلف الآلات لذلك يقول الفيلسوف الفرنسي أوجست كونت : " الشغل هو التبديل النافع للبيئة الذي يقوم به الانسان " كما أن العمل هو الوسيلة الوحيدة عند الانسان لتحقيق تطور المجتمعات و ازدهارها و لا قيمة لأيّ تطور ﺇلا بالرخاء الاقتصادي و كثرة الإنتاج كغاية أسمى للشغل ، فالشعوب ترقى و تتطور برقي و تطور اقتصادها و تضعف بضعفه ، فالشغل يخلص من التبعية الاقتصادية؛ من خلال تنظيم الاقتصاد إنتاجا و توزيعا و استهلاكا .

نقد و مناقشة : 

صحيح أن للدوافع البيولوجية المادية أهمية كبيرة في دفع الانسان للعمل لكنه بوصفه أرقى الكائنات الحية فقد تجاوز الصراع القائم بينه و بين الطبيعة و لم يعد نشاطه موجها ﺇلى سد حاجياته البيولوجية و حسب وإنما أنتج قيما روحية و معنوية للشغل مكنته من إنتاج حضارة متقدمة فالإنسان إذن ليس كائنا بيولوجيا فقط فهو أيضا كائن اجتماعي و أخلاقي و سياسي ... بالتالي فهو لا يعمل فقط من أجل العيش و ﺇلا لتوقف عن الشغل بمجرد إشباع حاجاته لكننا نلاحظ أن هناك من يعمل من اجل إثبات الذات أو التحرر مثلا، إضافة ﺇلى أن ربط العمل بالبعد المادي الاقتصادي وحده لا يمكنه تشييد حضارة أو ثروة اقتصادية و ازدهار لأن قوة الحضارة مرهونة بمحيط متكامل من القيم العملية و الثقافية و الأخلاقية، وخير مثال على ذلك الدول المتخلفة في إفريقيا فهي رغم امتلاكها للثروات المادية و غناها بها فهي عاجزة عن تحقيق الرخاء و التطور لغياب القيم الروحية

الموقف الثاني : 

 في المقابل يرى موقف آخر أن الشغل له أبعاد معنوية روحية ( إجتماعية ,  نفسية , أخلاقية ... ) فالإنسان تجاوز بكثير فكرة العمل من أجل الحياة فقط . ولم يعد الدافع المادي سوى وسيلة و ليس غاية، لأنه يحفظ الكرامة و يحقق التوازن النفسي و أهم من ناصر هذا الاتجاه علماء الاجتماع أمثال دوركايم و عالم النفس النمساوي فرويد و الفيلسوف الألماني هيغل و قد برروا موقفهم بالحجج الآتية :

إن الشغل وسيلة للعيش الكريم و الحفاظ على كرامة الانسان فهو يعلم المرء كسب لقمة العيش بطريقة شريفة و عدم إهانة الذات بسلوك طريق التسول أو السرقة ، و يكسب صاحبه صفات أخلاقية أخرى مثل الصبر و الشعور بالمسؤولية و الواجب و الشرف حيث يقول النبي صلى الله عليه و سلم : " أطيب الكسب عمل الرجل بيده " كما أن للشغل غايات معنوية أخرى و أبعادا مهمة منها البعد النفسي فقد أثبت علماء النفس و من بينهم فرويد فائدة الشغل في الوقاية من المشاكل النفسية و علاجها حيث اعتبره وسيلة للتعبير عن طاقات الفرد و مكبوتاته و هو نوع من المواجهة بين الأنا و الأخر حيث يقول فرويد : " ﺇن كل مهنة تصبح مصدر مسرات متميزة ﺇذا ما اختيرت اختيارا حرا " و يتجلى البعد النفسي للشغل كذلك عندما نقارن بين نفسية البطال و نفسية العامل ؛ فالأول يكون محبطا متشائما فاقدا للحيوية على عكس الثاني ، فالعمل يقضي على القلق و يؤدي الى التوازن و الاعتدال النفسي و العقلي و الاطمئنان والسكينة لذلك ينصح به في السجون و المصحات العقلية و النفسية؛ فنزلاء المصحات النفسية يكلفون أحيانا بالقيام بأشغال بسيطة تبعد عنهم التوتر و الكآبة، حيث يقول الأديب الفرنسي فولتير : " العمل يبعد عنا ثلاث آفات : القلق و الرذيلة و الاحتياج " ﺇن الانسان كائن اجتماعي لذلك فان للشغل قيمة اجتماعية تتمثل في حصول الفرد على الاستحسان الاجتماعي و التقدير و الاحترام فهو يولد ظواهر اجتماعية مثل التعاون و يشعر الفرد بأهميته كعضو في المجتمع ؛ لأن الفرد لا يستطيع أن يكفل كل حاجاته وحده ؛ فلا يمكن أن يكون طبيبا و معلما و فلاحا معا فيلزم المجتمع أفراده باختيار مهن مختلفة و لوجود فئات لا تستطيع العمل بالتالي فهو يحقق التكافل الاجتماعي و يحارب الأنانية و الذاتية

نقد و مناقشة : 

لكن رغم أهمية الأبعاد المعنوية الروحية للعمل الا أنها تحتاج الى القاعدة المادية التي تقوي هذه الروابط المعنوية و خير مثال على ذلك الأسرة فإذا انهارت فيها الوظيفة الاقتصادية المتمثلة في توفير الأكل و الشرب و الملبس للأبناء فإن هذه الأسرة لا محالة ستنهار و تتصدع ، فالشغل في بدايته دافع بيولوجي و هو لا يعتبر شرفا عند جميع الناس خاصة إذا كانت مهنة يحتقرها المجتمع كعامل النظافة أو حفار القبور أو من يغسل الموتى أو قد يكره العامل نفسه مهنته لوراثته إياها أو لاشتغال بعض الذين يكرههم فيها ؛ أو لكونه يجد ازدراء من أصدقائه خارج العمل و يبقى الشيء الوحيد الذي يربطه بها هو الجانب المادي أي الحصول على المال و قضاء الحاجات البيولوجية فهذا الجانب لا يزال فاعلا خاصة في ظل بعض الأنظمة و الدول التي تشغل حتى الأطفال و في سن مبكرة

التركيب : 

و من خلال عرضنا الموقفين السابقين هناك من يرى أن الشغل حاجة مادية بيولوجية بحتة و هناك من يراه يتعدى ذللك و له أبعاد معنوية روحية و بهذا يمكننا القول أن الشغل في البداية كان بعد مادي بيولوجي ، فحاجات الانسان كثيرة و إمكاناته الأولية محدودة ، حيث كان في البداية همه الوحيد في الحياة هو تلبية ضرورياته و المحافظة على وجوده لكنه بعد التحكم في الطبيعة و ظهور العلوم أصبحت دوافع الشغل متعددة و لم يعد الدافع المادي البيولوجي سوى وسيلة فالانسان كائن مزدوج التركيبة ينطوي على بعد مادي بيولوجي و بعدي معنوي روحي فالشغل نشاط انساني مرتبط بكل هذه الابعاد الانسانية كما يقول سارتر : " الشغل ابقى الانسان و اكسبه السيطرة على الاشياء " 

حل المشكلة : 

ان الشغل للوهلة الأولى فعل يحصل بين الانسان و الطبيعة و يلعب فيه الانسان ذاته و دور قوة طبيعته ، ففي الوقت الذي يؤثر فيه على الطبيعة الخارجية و يغيرها يغير طبيعته الخاصة و ينمي ملكاته الكاملة فيها و هذا ما يدفع بالفرد الى الانتقال من مرحلة السعي الى توفير حاجاته الضرورية الى مرحلة التقدم و التطور في مختلف المجالات فالدور الذي يلعبه الشغل في حياة الانسان قديما و حديثا يكشف القيمة التي يحتلها اليوم عند الافراد و الشعوب ، فالشغل ليس مجرد انتاج للقيم البيولوجية المادية فقط بل يتعداه الى أبعاد اخرى روحية معنوية و يبقى الشغل شعار كل انسان في هذه الحياة

يمكنكم التوسع في الحجج تركت لكم الحرية في ذللك بالتوفيق
 


Commentaires

التنقل السريع